تعليمي الإبتدائي والثانوي
كان طبيعياً في البيئة التي كنت أعيش فيها أن أتلقى دراستي الأولى في مدارس الطائفة الأرثوذكسية وذلك تبعاً لتقاليد هذه البيئة، ولقرب المدرستين الأرثوذكسيتين، الإبتدائية والثانوية، من دارنا ومعرفة أهلي معلماتها ومعلميها، ولحسن مستوى المدارس الأرثوذكسية وتوجهها الوطني عموماً. فكان تعلُّمي الإبتدائي في مدرسة "الآسية" مقابل مقام البطريركية الأرثوذكسية على أيدي معلمات صالحات لا أزال أحفظ لهنّ أطيب الذكريات رحمهنّ الله وأجزل ثوابهنّ
قسطنطين زريق، سيرة ذاتية غير منشورة
وكذلك كان شأن مدرسة "الآسية"، فقد كان جوّها عابقاً بالروح الوطنية والمشاعر الإستقلالية والعربية التي كانت تغلي في دمشق حينذاك. وإن أنسى فلا أنسى ذلك اليوم البهيج في آذار ١٩٢٠ عندما نقلتنا إدارة المدرسة مصطفين إلى شارع جمال باشا (شارع النصر اليوم) ورتبتنا هناك على جانبي الشارع لتحية الأمير فيصل في موكبه إلى دار البلدية لمبايعته ملكاً على سورية، فقد كان لوجه فيصل المهيب وتألب الناس حوله ومشاعر الإعتزاز والإبتهاج المتدفقة في النفوس وقع عميق في نفسي وأنا ما أزال في الحادية عشرة من عمري. وأهم منه ما كان يلقنّا إياه معلمونا من المبادىء الوطنية التي كانت تجري حينذاك جريان الدم في العروق بعد مآسي الحرب العالمية الأولى وبعد قرون طويلة من الحكم العثماني وتَفجر الآمال في التحرر والإستقلال وفي إستعادة ماضي العرب المجيد. فلا غرو أن تكون مدرستنا قد خرّجت عدداً وافراً من الشبان الذين شاركوا في العمل الوطني في سوريا وعربياً وأشهرهم في الأيام الأخيرة في هذا المجال السيد ميشيل عفلق الذي كان دوني بصف أو صفين وأسس فيما بعد مع زميله صلاح بيطار حزب البعث
قسطنطين زريق، سيرة ذاتية غير منشورة