الحركة الثقافية والإجتماعية في زمن المعلوف
حركة النشر
يتجلى اهتمام عيسى المعلوف بالكتب والمنشورات من خلال مجموعة من فهارس المطابع والمكتبات التي اقتناها لتساعده على شراء ما شاء من نوادر الكتب وأحدثها. وتحتوي المجموعة على قُرابة 70 فهرساً أو كتالوجاً للكتب والمطبوعات من نخبة المكتبات ودور النشر في مصر ولبنان وسورية وتركيا والهند وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة بين سنتيّ 1888 و1956. هذه المجموعة مهمة للباحثين المهتمين بتاريخ النشر خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط من أواخر القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين.
من أشهر المطابع التي جمع المعلوف فهارسها ليشتري منها نوادر الكتب: مطبعة بولاق، ومطبعة الجوائب، ومطبعة صادر، ودار الريحاني، والمطبعة الكاثوليكية، ودار العلم للملايين، ومطبعة بريل وهاشيت الأوروبيتين. أما أشهر المكتبات التي وثق العلَّامة موجوداتها هي: دار الكتب الأهلية الظاهرية، ومكتبة العرب، ومكتبة الهلال، ومكتبة زيدان العمومية، ومكتبة القدس، ومكتبة لويس سركيس، ومكتبة التوفيق والمكتبة الأهلية. وقد حاول المعلوف أن يوثق موجودات المكتبات الخاصة من خلال طلبه من أصحابها وصفها له. من هذه المكتبات مكتبة الأديب محمود تيمور في مصر، ومكتبة الشيخ أحمد رضا ومكتبة الدكتور إسكندر بارودي، ومكتبة مدرسة الثلاث أقمار في لبنان، والمكتبة الخالدية في القدس، الخ.
الخط العربي
يتمثل الخط العربي في مكتبة المعلوف من خلال مجموعة الخطاط المحامي نجيب هواويني. تحتوي المجموعة على نسخ من 80 لوحة بالخط العربي للهواويني بالإضافة إلى خط كتبة آخرين. يتوفر أيضاً في هذه المجموعة كتاب عن نوع الخط الديواني الملكي ودفاتر تمرين على انواع الخطوط.
ربطت المعلوف بالخطاط الشهير نجيب أحمد هواويني صداقة متينة، امتدت لعقود طويلة. وهو من مواليد دمشق عام 1878، وعاش في سورية ومصر. تلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه وأكمله في القاهرة. وأثناء وجوده في دمشق، تلقى تدريباً على يد الخطاط التركي راسا. حصل لاحقاً على ليسانس في الحقوق من جامعة القاهرة. عمل لفترة بالمحاماة، ثم أصبح خطاطاً لملك مصر أحمد فؤاد، وخبيراً معتمداً في المحاكم للخطوط والأختام. كما عمل مدرساً في المدرسة الملكية لتحسين الخط، التي أُنشئت بأمر من الملك فؤاد، ومترجماً للكتب القانونية من التركية إلى العربية. ألف عدة كتيبات لتعليم الخط العربي والفارسي، وألف أشعاراً في رثاء هدى شعراوي وفوزي معلوف وآخرون. وكان من تلاميذه المشهورين الخطاط اللبناني كامل البابا. توفي الهواويني في القاهرة عام 1956.
التعليم
في بداية القرن العشرين، شهدت المدارس والجامعات في سورية ولبنان تطويراً وتحديثاً تدريجياً في البنية التحتية التعليمية والمناهج الدراسية. في حين كانت في السابق تقدم تعليماً رئيسياً في المساجد والكنائس والمعاهد الدينية بشكل أساسي أو على الأقل في بوتقة تبشيرية أساسية. وبدأت إدارات المدارس في مطلع القرن العشرين بتطوير وتنويع المناهج الدراسية، مع التركيز على توفير التعليم الأساسي للجميع وتوسيع فرص الوصول إلى العلم بسهولة. وقد لاحظ المعلوف أهمية حفظ الوثائق التاريخية المرتبطة بالتعليم في هذه البقعة من العالم فحافظ عليها ووثقها، فصارت مجموعته تتألَّف من وثائق ومطبوعات مختلفة تظهر جانباً من مناهج المدارس من خلال ما كتبه الأساتذة والتلاميذ، ومن خلال الخطب والمحاضرات التي القيت في أرجاء المدارس، فنجد نبذة من خطابه هو في حفلة مدرسة الأميركان في قب الياس يوم 31 تموز 1938، وكذلك من خلال وصف المعلوف لبعض مكتبات المدارس مثل محتويات مكتبة مدرسة الثلاث أقمار، واحتفاظه ببعض الوثائق والمطبوعات المدرسية مثل شهادة ابن عمه شاهين المعلوف، شقيق زوجته عفيفة، من المدرسة الشرقية عن سنة 1904 واحتفاظه بمختلف المطبوعات التي توثق تاريخ المدارس ككتاب الأناشيد للمدرسة الأهلية للبنات سنة 1929، بالإضافة لنبذات عن عدة مدارس مثل مدرسة برمانا العالية، ومدرسة دير المخلص ومدرسة عينطورة والحكمة والمدرسة الشرقية بمناسبة المئوية على تأسيسها وأرشفة بعض من مجلاتها كالمهذب للمدرسة الشرقية والقاموس الذي كان يستخدمه الطلاب في المدرسة الوطنية التي أسسها المعلم بطرس البستاني في بيروت.
الجمعيات
في أوائل القرن العشرين شهد لبنان وسورية تحولات اجتماعية وثقافية هامة، فتأسست الجمعيات الثقافية والاجتماعية لتلعب دوراً بارزاً في هذه الحقبة من بينها الجمعيات الثقافية التي نشطت لتعزيز الأدب والثقافة والتراث المحلي فكانت تنظم الندوات والمحاضرات والمعارض الفنية لتعزيز التفاعل الثقافي بين أفراد المجتمع، منها جمعية شمس البر، وجمعية النهضة العلمية التي أنشأت في الكلية الشرقية الباسيلية، وجمعية النهضة الفلسطينية، وجمعية الرابطة الأدبية. وكان للجمعيات الاجتماعية والخيرية دور مهم في تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين ودعمهم، وتنظيم الأنشطة المجتمعية مثل المآدب الخيرية والمساعدة في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية والتي انتشرت في مختلف الأراضي السورية والمصرية أمثال الجمعية الخيرية المعلوفية، وجمعية تربية الصبيان الأيتام، وجمعية الشبيبة الكاثوليكية في الكلية الشرقية في زحلة، والجمعية الخيرية لأبناء عرامون كسروان، وجمعية التعاون الأخوي في منتدى الكلية السورية لاحقاً الجامعة الأميركية في بيروت الخ.
كان دور هذه الجمعيات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية مهماً في بناء المجتمعات المدنية وتعزيز التواصل والتعاون بين أفراد المجتمع. كما ساهمت في تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي وتعزيز الهوية الوطنية والانتماء المجتمعي. وقد احتفظ المعلوف بمطبوعات تظهر هذا الدور بدقة.