بيروت أوائل القرن العشرين
في أوائل القرن العشرين كانت بيروت مدينة صغيرة، جميلة وقديمة الطراز بشوارع ضيقة غير مرصوفة، تنتشر فيها أزقة ترابية تمر عليها بعض عربات الخيل. أما المنازل فكانت بسيطة يعلوها القرميد الأحمر الجميل ويفصل بينها نبات الصبير. لم تكن أبنية بيروت شاهقة بل كانت المساجد بمآذنها الطويلة أعلى المباني فيها. وكانت الجبال اللبنانية المغطاة بالثلوج البيضاء تشاهد بوضوح معظم أيام السنة.
بلغ عدد سكان بيروت حينها حوالي 120000 نسمة، متعددي المذاهب متلاحمين ومتجاورين بغض النظر عن إنتمائهم الطائفي أو المذهبي فكوّنوا بذلك مجتمعا متعارفا متحاببا ومتراصا.
أما الحركة التجارية فكانت ترتكز في وسط المدينة بإستثناء بعض الحوانيت المتواضعة المنتشرة في الأحياء. وكان ميناء المدينة صغيرا لذلك إضطرت معظم السفن أن ترسو في خارجه، وينقل المسافرون والبضائع في قوارب صغيرة الى الشاطئ. كانت بيروت صلة الوصل بين المدن الأوروبية ومدن الشرق الأوسط الداخلية وخاصة دمشق، هذه الحركة التجارية الناشطة أدت الى تتطور مرفأ بيروت ليصبح ميناء إقليميًا رئيسيًا لتصدير الحرير الخام إلى أوروبا.
أما الحياة الثقافية في بيروت فقد شهدت، منذ أواخر القرن التاسع عشر، نشاطا مميزا كان يظهر من خلال إنشاء مدارس الإرساليات المنتشرة بكثرة في الأرجاء السورية بالإضافة لتأسيس معاهد للدراسات العليا كالجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية وإنشاء عدة مطابع وغرف للقراءة وإصدارالمطبوعات السياسية والثقافية. وقد تميزت هذه المرحلة بالتفاعل بين المرسلين الأجانب من أميركيين، إنكليز وفرنسيين مع المثقفين السوريين والعرب. في هذا الجو الذي ساد بيروت ولدت أنيسة لعائلة روضة البلح في عين المريسة في محيط الجامعة الأميركية.