السياحة الدينية
يمثّل لبنان حالة فريدة في المنطقة من حيث التنوّع الديني والثقافي، إذ يشكّل نموذجًا للتعايش بين الطوائف والمذاهب المختلفة، وهو ما انعكس عبر القرون في غنى التراث المعماري والديني المنتشر في مختلف مناطقه. وتُعدّ دور العبادة والمقامات الروحية معالم أساسية لا تختصر قيمتها في بعدها الإيماني فقط، بل تشكّل أيضًا سجلاً حيًا للتاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي للبلاد. فقد ارتبطت هذه المباني بأدوار تربوية وثقافية ووطنية، وأسهمت في تشكيل الهوية اللبنانية المتعددة الأبعاد.
وتُظهر المواقع الدينية في لبنان تنوّعًا معماريًا يزاوج بين أنماط محلية وتأثيرات إقليمية وعالمية، مما يعكس تفاعل البلاد مع محيطها وانفتاحها على الحضارات عبر العصور. كما أنّ وجود هذه المعالم في المدن والقرى على حد سواء يتيح للزائر فرصة الجمع بين التجربة الروحية والاطلاع على البيئة العمرانية والاجتماعية التي نشأت في سياقها. ومن هنا، لا تُختزل أهمية هذه المواقع في كونها أماكن للعبادة، بل تُعدّ أيضًا فضاءات ثقافية تعزز الفهم المتبادل والتواصل بين مكونات المجتمع.
وبفضل هذا التنوع، تمثل السياحة الدينية في لبنان رافعة حضارية وثقافية ذات بعد عالمي، إذ تتيح للزائرين من مختلف الأديان والخلفيات الثقافية اختبار تجربة تقوم على التأمل، التعرف على التراث الروحي، والاستمتاع بجماليات العمارة التاريخية. كما يسهم هذا البعد في تكريس صورة لبنان كجسر حضاري بين الشرق والغرب، وكنموذج حي للتعايش والتفاعل الخلاق بين الموروثات الدينية والثقافية.


